حماس من التأسيس الى الطوفان إلى الأفول!
مرت حركة حماس منذ تأسيسها في أواخر الثمانينيات بمراحل متعددة من الصعود السياسي والعسكري لكن مع التغيرات الأخيرة هل أصبح "الأفول" واقعًا يفرض نفسه بعد سنوات من النفوذ والهيمنة.
مرت حركة حماس منذ تأسيسها في أواخر الثمانينيات بمراحل متعددة من الصعود السياسي والعسكري لكن مع التغيرات الأخيرة هل أصبح "الأفول" واقعًا يفرض نفسه بعد سنوات من النفوذ والهيمنة.
في 8 أكتوبر 2025، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عبر منصة "تروث سوشيال"، عن التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل وحركة حماس، يُعرف رسميًا بـ"خطة ترامب للسلام في غزة"، والتي تتكون من 20 بندًا. هذا الاتفاق، الذي توسطت فيه دول مثل مصر وقطر وتركيا، يمثل نقطة تحول تاريخية في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، خاصة بعد عامين من الحرب الدامية التي بدأت بهجوم حماس في 7 أكتوبر 2023. الاتفاق ينص على وقف إطلاق النار الدائم، تبادل الأسرى والرهائن، إدخال مساعدات إنسانية واسعة النطاق، وأهمها: نزع سلاح حماس وإنهاء سيطرتها على حكم قطاع غزة.
مع دخول الاتفاق حيز التنفيذ في 13 أكتوبر 2025، في قمة شرم الشيخ المصرية، بدأت أولى علامات "الأفول" لحماس تظهر بوضوح. فالحركة، التي سيطرت على #غزة منذ 2007، تواجه اليوم فقدانًا لقوتها العسكرية والسياسية، وسط اتهامات بارتكاب إعدامات ميدانية لفلسطينيين معارضين للاتفاق، مما يعكس يأسًا داخليًا وتراجعًا شعبيًا. هذا المقال يتتبع مسيرة حماس من تأسيسها كحركة مقاومة إسلامية إلى تحولها إلى قوة حاكمة، ثم إلى نهاية حكمها في غزة، مستندًا إلى التطورات التاريخية والأحداث الأخيرة.
تأسست حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في ديسمبر 1987، خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى ضد الاحتلال الإسرائيلي. كانت حماس امتدادًا لجماعة الإخوان المسلمين في غزة، وأُسست على يد الشيخ أحمد ياسين، الذي رأى في الانتفاضة فرصة لدمج الدين بالمقاومة المسلحة. ميثاق الحركة، الذي صدر في 1988، حدد أهدافها الرئيسية: تحرير فلسطين من النهر إلى البحر عبر الجهاد الإسلامي، ورفض أي تسوية مع إسرائيل، معتبرًا إياها "كيانًا صهيونيًا غاصبًا".
في البداية، ركزت حماس على العمل الاجتماعي من خلال شبكة من المؤسسات الخيرية (الدعوة والإغاثة)، التي قدمت خدمات تعليمية وصحية للفقراء في #غزة والضفة الغربية، مما ساعد في بناء قاعدة شعبية قوية. بحلول التسعينيات، تحولت إلى عمليات عسكرية، مع تشكيل "كتائب القسام" في 1991، وتنفيذ تفجيرات انتحارية أدت إلى مقتل مئات الإسرائيليين خلال الانتفاضة الثانية (2000-2005). هذه العمليات جعلت حماس رمزًا لـ"المقاومة" بين الفلسطينيين الذين يرفضون اتفاقيات أوسلو (1993)، التي اعتبرتها الحركة "خيانة" للقضية.
ومع ذلك، أدى النهج العنيف إلى تصنيف حماس كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإسرائيل في 1997، مما عزلها دوليًا وزاد من الضغوط عليها. في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، فازت حماس بأغلبية البرلمان، مما أدى إلى انفصالها عن فتح وتولي الحكم في #غزة عام 2007 بعد اشتباكات دامية.
سيطرة حماس على #غزة في يونيو 2007 كانت نقطة تحول. الحركة أقامت نظامًا حكميًا يجمع بين السيطرة العسكرية والإدارية، مع التركيز على بناء قدرات عسكرية متقدمة بدعم إيراني وقطري. أصبحت #غزة "دولة إسلامية مصغرة"، حيث فرضت قوانين شرعية، وأدارت الاقتصاد عبر التهريب من خلال الأنفاق، وأجرت حروبًا دورية مع إسرائيل: "عملية الرصاص المصبوب" (2008-2009)، "عمود السحاب" (2012)، "الجرف الصامد" (2014)، و"طوفان الأقصى" (2023).
خلال هذه الفترة، حققت حماس نجاحات سياسية: في 2017، عدلت ميثاقها لقبول دولة فلسطينية على حدود 1967، مما أضفى عليها شرعية أكبر. كما حافظت على تحالفات إقليمية مع تركيا وإيران، واستفادت من الدعم المالي القطري الذي بلغ مليارات الدولارات لأعمال إنسانية. ومع ذلك، أدى الحكم الطويل إلى انتقادات داخلية: اقتصاد مدمر بسبب الحصار الإسرائيلي، فساد في الإدارة، وقمع للمعارضة، مما أدى إلى احتجاجات في 2019 ضد سياساتها الاقتصادية.
هجوم 7 أكتوبر 2023، الذي قتل فيه 1,200 إسرائيلي وأُسر 251، كان قمة طموحات حماس العسكرية. الهدف كان فرض معادلة جديدة: تبادل رهائن مقابل سجناء فلسطينيين، وإيقاف التطبيع العربي مع إسرائيل. لكن الرد الإسرائيلي الشديد أدى إلى تدمير واسع في غزة، مع مقتل أكثر من 67,000 فلسطيني، وفقًا لوزارة الصحة في غزة، وتفكيك بنية حماس العسكرية جزئيًا.
الحرب التي أعقبت 7 أكتوبر 2023 كانت الأكثر تدميرًا في تاريخ الصراع. إسرائيل شنت حملة عسكرية واسعة، دمرت 80% من البنية التحتية في غزة، وقتلت معظم قادة حماس العسكريين، بما في ذلك يحيى السنوار ومحمد الضيف. الحركة خسرت قدرتها على السيطرة الميدانية، وتراجع التأييد الشعبي لها داخل #غزة بنسبة تصل إلى 50%، وفقًا لاستطلاعات مركز البحوث الفلسطيني.
في يناير 2025، تم التوصل إلى هدنة مؤقتة، لكنها انهارت في مارس بسبب انتهاكات إسرائيلية. استمرت المفاوضات المتقطعة، وسط ضغوط أمريكية متزايدة بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض. في سبتمبر 2025، قدم ترامب خطته المكونة من 20 بندًا، التي شملت: إطلاق سراح جميع الرهائن مقابل إفراج عن 250 سجينًا فلسطينيًا و1,700 معتقل من غزة، انسحاب إسرائيلي تدريجي، إدخال مساعدات، وتشكيل "مجلس سلام" دولي برئاسة ترامب لإدارة #غزة انتقاليًا.
رفضت حماس في البداية "مجلس السلام"، معتبرة إياه تدخلًا أجنبيًا، لكن الضغوط الداخلية والخارجية – بما في ذلك تهديدات ترامب بنزع السلاح بالقوة – دفعاها إلى القبول في 8 أكتوبر. البنود الرئيسية للمرحلة الأولى تشمل: عودة النازحين إلى شمال غزة، دخول قوة حفظ سلام عربية-دولية، وعفو عام لأعضاء حماس الذين يلتزمون بالتعايش السلمي، مع إمكانية نفي الآخرين.
وقع الاتفاق رسميًا في 13 أكتوبر 2025، بحضور قادة مصر وقطر وتركيا وترامب، في شرم الشيخ. المرحلة الأولى، التي بدأت فورًا، شهدت إطلاق سراح 20 رهينة إسرائيليًا حيًا وجثامين 27 آخرين، مقابل إفراج إسرائيلي عن 250 فلسطينيًا مدانًا بجرائم أمنية و1,700 معتقلًا من غزة. كما سُمح بدخول مساعدات إنسانية هائلة: إعادة تأهيل المستشفيات، إزالة الأنقاض، وإصلاح الشبكات الكهربائية والمائية.
المرحلة الثانية، التي تبدأ بعد أسبوعين، تركز على نزع سلاح حماس تدريجيًا، ونشر قوة أمنية دولية (عربية وناتوية) لتأمين المناطق، مع انتقال السلطة إلى لجنة انتقالية تضم فلسطينيين وخبراء دوليين. #غزة ستُصبح "منطقة خالية من الإرهاب"، كما وصفها ترامب، مع إعادة إعمار بتمويل من دول الخليج والولايات المتحدة.
ومع ذلك، يظل الاتفاق هشًا. حماس رفضت بعض البنود المتعلقة بنزع السلاح الكامل، وشهدت الأيام الأولى إعدامات ميدانية لـ"خونة" مشتبه بهم، مما أثار غضبًا دوليًا وداخليًا. إسرائيل، من جانبها، حافظت على وجود عسكري في نصف #غزة مؤقتًا، وهدد وزير الدفاع اليميني إيتمار بن غفير بالانسحاب من الحكومة إذا لم يتم تفكيك حماس تمامًا.
مع تنفيذ الاتفاق، يُعتبر حكم حماس في #غزة قد انتهى فعليًا. الخسائر العسكرية خلال الحرب بلغت آلاف المقاتلين، وفقدت الحركة سيطرتها على الأنفاق ومصانع الصواريخ. سياسيًا، أدى الاتفاق إلى عزلها: قادتها مثل إسماعيل هنية وخليل الحية يُفكرون في النفي إلى قطر أو تركيا، بينما يُمنح عفو للأعضاء الذين يتخلون عن السلاح. استطلاعات حديثة تشير إلى تراجع التأييد لحماس إلى أقل من 20% في غزة، مع صعود فتح كبديل.
الأفول ليس عسكريًا فقط؛ إنه أخلاقي وشعبي. في الأيام الأخيرة، أعلنت حماس عن إعدامات جماعية لفلسطينيين متهمين بالتعاون مع إسرائيل، مما أثار احتجاجات في خان يونس وغزة المدينة. هذه الأعمال، التي وصفتها منظمات حقوقية بـ"الإرهاب الداخلي"، تعكس محاولة يائسة للحفاظ على السيطرة، لكنها تسرع نهايتها. ترامب، في تصريحاته، هدد بـ"تحرك سريع وعنيف" إذا لم تلتزم حماس، مشددًا على أن #غزة ستكون "خالية من الإرهاب".
اتفاق السلام الأخير يمثل نهاية عصر حماس كقوة حاكمة في غزة، لكنه ليس ضمانًا لسلام دائم. الحركة، التي بدأت كحركة مقاومة، انتهت كقوة مفلسة أخلاقيًا وعسكريًا، تاركة وراءها دمارًا هائلًا وانقسامات فلسطينية عميقة. التحدي الآن يقع على عاتق المجتمع الدولي: هل ينجح "مجلس السلام" في إعادة بناء غزة، أم سيعيد الاتفاق نفسه دورة العنف؟
في النهاية، يبقى السؤال مفتوحًا: هل كان هذا الأفول حتميًا، أم كان يمكن تجنبه بتسوية سياسية أوسع تشمل الدولة الفلسطينية؟ التاريخ وحده سيحكم، لكن اليوم، يتنفس أهل #غزة أنفاسًا أولى من الهدوء بعد عقود من الدم.